إياد فؤاد عبدالحي - أبو عريان ..!
في ليلة من ليالي إبريل (الكاذب)، وفي إحدى عواصم بلداننا العربية (المتمكيجة) من الخارج والمُهتَرأة من الداخل، اجتمعت بصديق (عربي) كُنيته (أبو عريان)، قد امتهن الصحافة مُذ ما جاوز العقدين من الزمان في إحدى الدولة المجاورة (لنا)، بدا شاحباً وقد اجتمعت على وجهه كل علامات الكدر واليأس والإحباط، وما أشنع منظر الأخير حين يُخيم على من تخطى الأربعين..! لم تستهويني بسمته التي قابلني بها والتي أضحت هشيماً ذرتها رياح (مُوده) العام..! وبعد كوب من القهوة تنحنح الرجل وتململ في جلسته، ومن ثم أطرق مُطلقاً نظراته في الفراغ وقال لي: إن (الناقد) بات يُعاني وزرًا غير وزر كلمته، وأحمالاً غير أدواته، وأعباءًا أثقلت كاهله وأضنت قلمه.. وأخذ نفساً عميقاً من (سيجار) بدا (رُخص) ثمنه من رائحته، وتابع: أول هذه الأعباء يا صديقي تلك الخطوط الحمراء (المقيتة) للناقد.. والتي كانت (حمراء) في السابق، أما هي الآن فقد تكاثرت وتوالدت فأنتجت كل درجات اللون الأحمر.. ((فحمدت المولى عز وجل في نفسي أن قطع نسلها عندنا، وتركها على احمرارها فحسب..!)) ثم تابع الرجل: فهناك خط (أصفر) يجوز للكاتب أن يدوس عليه بشرط أن لا يُكثر من ذلك، وربما يعود ذلك لتوجه الصحيفة أو وزن القلم، وربما المحسوبية، ثم أطلق تنهيدة ختمها بعبارة: (وَت إيفير).. ثم تابع: وهناك خط (برتقالي) إن داس عليه الناقد كان لزاماً عليه أن يبدو ذلك بشكل غير متعمد أو مقصود..! فقلت في نفسي: (يعني يستبله..!)، ليخرج عن هدوءه عند هذه النقطة بالذات ويصرخ: الكاتب منا يا أبا الفؤاد يلف ويدور فيكتب 20 سطراً كي ينتقد اسماً من 10 أحرف..! فرددت بيني وبين نفسي (أما نحن فقد كفانا الله شر الأسطر أيضاً..!)، ثم تابع: أما الخط الأحمر وما أدراك ما الخط الأحمر .. فممنوع منه الاقتراب، لا لتوجه عام في البلاد، فالحرية قائمة لدينا، وصُحُف المعارضة أكثر من الأخرى، والمساحة رحبة، والأمر في الأول والأخير (رياضة) ولكن.. الطريق محفوف بالألغام..! قاطعته مستنكراً ومستفهما: (ألغام)..؟ فقال لي وقد وصلت سيجارته لربعها الأخير: مشكلتنا يا أبا الفؤاد أن هناك من يزرع الألغام، وينصب الأفخاخ، فما أكثر مؤولي الكَلم ومحرفيه ومخرجيه عن مواضعه..! وما أكثر العابثين بمصطلح (الوطنية)، وما أكثر مصممي أزياءها.. ثم قلب فنجان قهوته على طبقه وأتبع: (الوطنية) للأسف أضحت مقاسات وألوان وبضاعة، يُلبسونها لمن شاءوا ويخلعونها عن من شاءوا.. أضحت (موضة)، تظهر حيناً، وتختفي أحياناً.. ثم أطبق شفتيه، وأطفأ سيجاره، وتناول كوب قهوته ليقرأ الفنجان كعادته، وأنا ما زلت على حالي سارحاً في كلماته، مقارناً بين حالنا وحالهم، مُدندناً بـ (دا حلمنا.. طول عمرنا)..!، متأملاً في وجهه الذي بدأ (يتكرمش) من كل أطرافه، وكأن بقايا بُن فنجانه أبت إلا أن تزيده هماً على همه، وكدراً على كدره.. فقذفتهُ بالمزعج من (دَجَل) أخبارها..! فقلت له: خير يا أبا عريان..؟ فقال لي: حتى البُن في الفنجان لم يسلم من (قص) الإنسان..!
إس إم إس:
عزيزي (مقص الرقيب) .. إكسيوزمي .. اسمح لي أن أمرر من بين نواجذك ما يتساقط لعابك لرؤيته ...،
__DEFINE_LIKE_SHARE__